يوميات طبيب امتياز ٣
"ذلك الصديق"
في هذه الأيام تدور الأحلام في مخيلتي لتبارز واقعًا متغيرا، تكتنفه شروطٌ وعواطفٌ وتحديات، أعلم أنها سنةُ الحياة، وكل بدايةٍ هي خُطوة أساسية لمستقبلٍ قادم، لكن ما يلفت الانتباه أنّ هذه الحيرة لم تكن كمثيلاتها، دوافعها مختلفة، تختلط الأماني بواقعٍ متغير، أميل إلى طرف الليل مُتّكئا على نشوة الأمل، أَرقب ضوء الفجر، تَتفتّق أنواره على حُلكةٍ غطّت لياليها بُرهة من الزمن، أُداعب خيوط النور لأصنع حلمي، تتوقد لتنير دربي، في تلك اللحظات تَرتسم ابتسامة مُفعمة على مُحياي، تتحدث عن تلك الرؤى، عن تلك الأيام، خالطها السهر والألم، ترنيمة الصديق التي تتهادى على مسمعي كل حين، أتذكر جيدا عندما فرحنا معا، وتألمنا معا، لم تكن عزائمنا إلا وقودا من تلك الآهات، زفراتها وغُصة اليأس التي تجرعنها مرارا، تنعتق لتمر تلك الترنيمة العذبة فشعور التخرج لا يخالجه شعور، يمر شريط الحياة.. وأُولى خطواتنا التي حملتنا حينا وحملناها مرات، مع تلك البدايات وعلى شُرفة النهاية، تتمثل أمامي ذكرياتٌ مبعثرة، هنا في تلك الزاوية كانت لحظة مليئة بالنكتة، مع أصدقائي أتذكر تعليقاتهم الساخرة، وهناك نعم هناك ودعنا ذلك الاختبار.. الفرحة لم تكن كاملة!!، أتذكر عندما واسينا بعضنا وذهبنا لتناول الغداء، تلك الوجبة كانت خروجا من أزمة المذاكرة وصداع الاختبارات، نعم تبدلت تلك المشاعر.. عندما ودعنا زميلنا الذي مضى معنا فترة من الزمن لكن الظروف أجبرته أن يغادر القطار، أتذكر ملامح الوداع الأخيرة حينما سار الركب مبتعدا عنه، لكن أمنياتي له بالنجاح لا تزال تحفٌّه كلما تذكرته.. تحفني لحظة التخرج عندما لم يأتي مقاس البشت على صديقي الطويل، أذكر جيدا البائع الذي آثر بزميلي عني نوعية البشت الفاخرة، لم أكتمها في نفسي وأرسلت بعض التعليقات على سبيل الدعابة، أتذكر قسم التخرج، بصوت واحد، لحظة مؤثرة، كل الحضور وقفوا تصفيقا لهيبة الموقف..
أتذكر ذلك الصديق.. الذي ودعته بصمت، كانت العبرات تحكي مفردة يتيمة، تحكي بواقع الحال أن صداقتنا ستبقى خالدة، وذكرى المحبة باقية، سيبقى أنين الشوق يسبقنا، يلف الود بين الضلوع، ووعد اللقاء يجمعنا، سنبقى
وهنا التقينا.. وهنا ارتوينا ذات يوم.